الحُفَّاث أو الحية العربية ذات الأنياب الخلفية أو الكوبرا الكاذبة كما تسميها الكتب الحديثة ترجمة من اللغة الإنجليزية، (أو الحنش كما يسمى عندنا) هي حية نهارية سامة ذات أنياب خلفية، سميتها خفيفة، غير قاتلة للإنسان، لكنها مؤذية، هذا ما تذكره المصادر الغربية، وهي وتتفاوت في ألوانها من البني إلى لون الرمال واللون البيجي، وبها بقع صفراء، ويمكن تمييزها بسهولة بواسطة عيونها البرتقالية الكبيرة وفي وسطها سواد. ومن صفاتها أنها تنفخ رقبتها لتظهر ما يشبه القلنسوة، وهي ليست بحية كوبرا لأن فصائل الكوبرا أمامية الأنياب شديدة السُمِّية، بينما الحُفَّاث خلفي الأنياب ضعيف السمية. وعند فزعها ترفع رأسها عن الأرض بمقدار 40سم وتنفخ رقبتها، وتفح مما يبث الفزع في قلب الإنسان الذي يراها على هذا الشكل.
وتذكر القواميس العربية القديمة أن هناك حية يقال لها الحُفَّاث، لا تضر وتفزع الناس وأنها تنفخ أوردتها لتفزع أعدائها، وأنها تنفخ وتثب، وهي عظيمة الرأس، ومن المحتمل أن تكون عظيمة الرأس عندما تنفخ رقبتها.
الصورة التالية وهي تعض جرذ ساندفال وهي تطبق عليه حتى تتمكن من حقن السم فيه:
وكما أسلفنا سابقاً، فهي تخرج في النهار للبحث عن فرائسها من الفئران والزواحف الصغيرة، وعند اشتداد الحر تخرج آخر النهار عند الغروب، وأول النهار عند الشروق. ونعرف من اسمها أنه ليست كوبرا حقيقية، فصفات حيات الكوبرا لا تنطبق عليها، فالكوبرا الحقيقية أمامية الأنياب، ولكنها سميت كذلك، كما تبين الصور، لأنها عند الفزع ترفع رأسها عن الأرض بمقدار 30-40سم، وتفرش رقبتها كما تفعل حية الكوبرا الحقيقية، فتظهر لها قلنسوة كقلنسوة الكوبرا، وتفح صوتاً من فيها وذلك لإخافة أعدائها، ولا تفعل أكثر من ذلك وإن لوح لها في الهواء حاولت العض وهي غير سريعة عند حركتها للعض. والوقوف لمراقبتها ثم تركها على حالها أفضل من قتلها، لأنها غير ضارة وتساعد على التوازن البيئي للصحراء.
ينتمي الحُفَّاث أو الكوبرا الكاذبة إلى فصيلة الأحناش (Colubridae) الكبيرة التي ينتمي إليها أكثر من 1500 نوع في العالم وهي من الحيات ذوات الأنياب الخلفية الغير مؤذية وعدد قليل جداً منها سام لكن غير خطر.
تم اصطياد عينتين منها في بداية الشهر الرابع (أبريل) في منتصف النهار وكان طول الأولى 137سم والثانية 125سم واختلفت الألوان قليلاً، فالأولى كان اللون البرتقالي واضحاً كما يظهر في الصورة أعلاه، أما الثانية فكان لونها إلى الرملي أكثر من البرتقالي. وقد وجدنا عند جحرها جلدها الذي سلخته بعد الخروج من البيات الشتوي، وهو جحر الفئران البرية عادةً، لا أنها لا تحفر الجحور، إنما تتطفل على جحور الحيوانات الأخرى. وهي عندما تخرج من البيات الشتوي نهاراً تتعرض للشمس لاستعادة نشاطها، وقد تستغرق فترة استعادة النشاط مدة أسبوعين، بعدها يبدأ الذكر بالحركة بحثاً عن أنثى للتزاوج. بعد التزاوج تبدأ حيات الكوبرا الكاذبة في البحث عن الطعام، حيث تفترس الفئران وعند صيد الفئران وحقنه بالسم تتركه مدة من الزمن ليتشرب السم ويموت ويعمل السم كذلك على تسريع هضمه بعد بلعه. وتبلع الحية الفأر بادئةً من رأسه، وينفصل الفك العلوي عن السفلي لتوسيع الفم ليتم بلعه تماماً. والحيات عموماً لديها القدرة على الصبر عن الطعام فترات زمنية طويلة، ويقول بعض مربين الحيات من الغربيين، أن بعض الحيات تستطيع الصبر أكثر من سنة عن الطعام.
يقول الجاحظ في كتاب الحيوان:
وفي البادية حية يقال لهل الحُفَّاث، والحُفَّاث من الحيات تأكل الفأر وأشباهَ الفأر، ولها وعيد منكر، ونفخ وإظهار للصولة، وليس وراء ذلك شيء. والجاهل ربما مات من الفزع منها. وربما جمعت الحية السم وشدة الجرح، والعض والابتلاع، وحَطْمَ العظم.
ويقول الجاحظ في موضع آخر من كتاب الحيوان:
فإن الحُفَّاث دابة تشبه الحية وليست بحية، وله وعيد شديد، ونفخ وتوثب، ومن لم يعرفه كان أشد له هيبة منه للأفاعي والثعابين. وهو لايضر بقليل ولا كثير والحيات تقتله. وأنشد:
وقالوا في الحُفَّاث، هجا الكروبي أخاه فقال:
حُبارى في اللقاء إذا التقينا وحُفَّاثٌ إذا اجتمع الفريق
وقال أعرابي:
ولت بحُفَّاثٍ يطاول شَخْصَهُ وينفخ الكير وهو لئيم
وجاء في فقه اللغة للثعالبي:
الحُفَّاثُ والحِضْب الضَّخْمُ مِنها. وَذَكَرَ حَمْزَةُ بنُ عَلِيٍّ الأصْبَهَانِي أنَّ الحُفَّاثَ ضَخْم مِثْلُ الأسْوَدِ أو أعْظَمُ مِنْهُ، ورُبَما كَانَ أَرْبعَ أَذْرُع ، وهو أقَلُّ الحيَّاتِ أَذىً.
وسَنانِيرُ أهْلِ هَجَرَ في دُورِهِم الحُفَّاثُ وهُوَ يَصْطَادُ الجُرْذَانَ وَالحَشَرَاتِ وَمَا أشْبَهَهَا.
وجاء أيضاً في اللسان:
والحُفَّاثُ: حَيَّة كأَعْظَم ما يكون من الحَيَّات، أَرْقَشُ أَبْرَشُ، يأْكل الحشيشَ، يَتَهَدَّدُ ولا يَضُرُّ أَحداً.
الجوهري: الحُفَّاثُ حَيَّة تَنفُخُ ولا تُؤْذِي؛ قال جَرِير:
أَيُفايِشُونَ، وقد رَأَوْا حُفَّاثَهم قد عَضَّه، فقَضَى عليه الأَشْجَعُ؟
الأَزهري، شَمِرٌ: الحُفَّاثُ حَيَّة ضَّخْمٌ، عظيمُ الرأْس، أَرْقَشُ أَحْمَرُ أَكْدَرُ، يُشْبهُ الأَسْودَ وليس به، إِذا حَرَّبْتَه انْتَفَخَ وَريدُه.(ومعنى حربته أي أغضبته)
قال: وقال ابن شميل: هو أَكْبَرُ من الأَرْقَم، ورَقَشُه مثلُ رَقَش الأَرْقَم، لا يَضُرُّ أَحداً، وجمعُه حَفافِيثُ؛ وقال جرير:
إِنَّ الحَفافِيثَ عِندي، يا بني لَجَإٍ يُطْرِقْنَ، حينَ يَصُولُ الحَيَّةُ الذَّكَرُ
ويقال للغَضْبان إِذا انْتَفَخَتْ أَوْداجُه: قد احْرَنفشَ حُفَّاثُه، على المثل.
ولقد ورد في اللسان أيضاً:
الحِنْفِيشُ: الحيةُ العظيمةُ، وعَمَّ كراعٌ به الحيةَ.
الأَزهري: الحِنْفِشُ حية عظيمة ضخْمة الرأْس رَقْشاءُ كَدْراءُ إِذا حَرَّبْتها انتفخ وريدُها؛ ابن شميل: هو الحُفَّاثُ نفسُه.
وقال أَبو خيرة: الحِنْفِيشُ الأَفعى، والجماعةُ حَنافِيشُ.
الصورة التالية تظهر انتفاخ رقبة الحفاث:
وورد في القاموس المحيط:
الحنفش والحنفيش بكسرهما الأفعى أو حية عظيمة ضخمة الرأس رقشاء ركداء إذا حويتها انتفخ وريدها أو الحفاث بعينه.
الصورة التالية تظهر أنياب الحفاث الخلفية:
ومن الشعراء الذين ذكروا تورم الحفاث الشاعر رؤبة بن العجاج (65-145 هـ) حيث يقول:
هلْ تعرفُ الربعَ المحيلَ ارسمهْ عفتْ عوافيهِ وطالَ قدمهْ
بواحفٍ لم يبقَ الاَّ رممهْ معروفةً انصابهُ وحممهْ
ذاكَ الذي احرهُ لا اشتمُهْ ولا بريأً والهجاءُ يجرمُهْ
داعرُ قومٍ فضحتهُ نممُهْ وحائنٍ اوقعهُ تهكمُهْ
بينَ مخديْ قطمٍ يقطمُهْ فكان ابقَى جرسهِ تغمغمُهْ
وذي زهاءٍ معقمٍ تعقمُهْ في حسبٍ يعلو الضخامَ اضخمُهْ
إذا دنا رزِّي راي ما يفحمُهْ فراغَ منِّي واستسرَّ ارقمُهْ
وانفشَّ منْ حفاثِهِ مورمُهْ إنْ لمْ تصبهُ دامغاتٌ ترتمُهْ
اقرعهُ عنِّي لجامٌ يلجمُهْ وعضُّ نضاضٍ مجدٍّ معذمُهْ
يدقُّ اعناقَ الاسودِ فرصمُهْ كالذربِ يفري حلقاً ويفصمُهْ
بلْ قدْ حلفتُ حلفاً لا إيثمُهْ ثمتَ احذوهُ بنذرٍ يقسمُهْ
والفش عكس النفخ، وفش القربة أخرج ريحها. وفي لسان العرب: ويقال: فُشّ السقاءُ إِذا خرج منه الريح.
الصورة التالية تظهر أنياب الحفاث الخلفية: